حوار مش طويل مع "سيد الدرفيل" جـ2 -دفتر الغائب

تلك المقدمة القصيرة التى تقرأها حالياً هي نتاج 48 ساعة من القلق المستمر -أحياناً قد لا تستطيع الكتابة أو الكلمات في دلالتها أن تصف كل المشاعر (ولذا عانقنا بعضنا بدلاً من الكلام أو ربما لأجل ذلك إخترعوا الموسيقي)-  فلا تتوقع تماماً أن يبهرك وصفي، وذلك رغم أن الشخصية الرئيسية في القصة مثيرة فعلاً، بل وتستحق أن تُكتب وتُعرض في صورة مسلسل طويل، تملؤه تفاصيل "سيد الدرفيل" لمئات الحلقات. -سيكتبها المؤلف في 20 عاماً ثم يقتله البؤس- تلك القصة لا تعتمد في الأساس على الخبرات أو المواقف التى مرت بها شخصية سيد فقط، ولا تدور حول عالم واحد أو حياة شخصية، إنما هي فكرة  أن تجتمع كل تلك المشاعر فى قلب واحد، في حكاية مُتفردة، وجسد عملاق.. 

إلى سيد الدرفيل: "لم تكن لحكايتك أن تنتهي بالرقص فقط.."

الدرفيل النائم: حكاية مع الملائكة 

 هزم الليل الدرفيل، فقد سقط قبل أن تشرق الشمس بنصف ساعة تقريباً. لم أكن معه حينها، فبعد أن اختبرت محتوى الزجاجة الشيطانية فى جوفى سقطت أنا أيضاً مغشياً علىَّ فوق (الكنبة) حتى مساء اليوم التالي ! نمتُ لأكثر من يوم كامل دون أن أشعر بشئ، لكن سيد أخبرني حين إستيظت "دماغك طلعت خفيفة أوى" وأعترف لى  مبتسماً وهو يناولنى فنجان قهوة (من غير وش) مع قطعة شوكولاتة "أنا كمان وقعت زيك قبل ما الشمس تطلع" ثم أضاف وهو يشعل سيجارة: "كمان مكانش ينفع يفوتني أشوفك وانت نايم بتخرف بعد كل الرقص ده! رقصك كان حلو، كنت خفيف زى الملائكة"
رديت وأنا أحاول إخفاء إحمرار وجهي بالنظر بعيداً "دي الخمرة باين اللي خليتك شاعر. أنا ماليش فى الرقص، انت اللى مجنون" وتابعت لأتخذ فرصة للسؤال: - "لكن إنت ما قولتليش ايه اللي فى الورقة دى؟! ثم مش من عوايدك تيجي الجنة من سنين"
= "دي كانت رسالة بعتها لزينب من ييجي 30 سنة واحنا فى إبتدائى، مش لازم تقراها، لكن أنا حبيت انك إنت اللي تحرقها. لو حابب تعرف محتواها، فهو طفولى للغاية، عفوي تماماً زي حياتنا فى الفترة دى. قولتلها فيها (مش هشوف أجمل منك لحد ما أموت)
باءت محاولاته لإنهاء الحديث بالفشل، فقد قطعت الصمت بسؤال جديد بدا لى وكأنه بديهي - "واضح إنك مش عايز تحكي كتير عنها، لكن إشمعني إختارتني أنا تديني الرسالة دى؟ وليه دلوقتى بالذات؟!"
إبتسم الدرفيل وهو يداعب زجاجته الصغيرة علي شفتيه برشفات صغيرة  "إنت بتسأل أسئلة محتاجة دماغ عالية أعملك ايه! مش صحيح إنى مش عايز إحكي عن زينب، أصل غصب عني حكيت أو لسه هحكي. لكن معادش لذكر الماضي لزوم دلوقتى.، وده لأنى حاسس إنى قربت أموت فعلاً، لكنى كنت كداب، شُفت وكنت شايف طول الوقت أجمل منها! أما ليه إختارتك إنت فده أمر شرحه يطول.. "
قام فجأه واتجه إلى دولاب ملابسي وهو يقول بصوت عالٍ "لسوء الحظ إن مفيش بحر عند بيتنا، هنضطر نلبس عشان نروحله مشوار، مش هينفع ننزل ملط" ضحك وهو يضيف "أنا كدرفيل بحب أعترف فى البحر، بحنّ له وبحدف فيه كل أسرارى" ..

جـ2

النيل: حوار من قلب الدرفيل

 (زجاجة بيرة واحدة وأربع علب سجاير) كانت تلك هى كل المؤن التى يحتاجها فى رحلته إلى البحر، وقد أخبرها لموظف السوبرماركت بسرعة كعادته، وغادرنا لنعبر إلى (كورنيش النيل) ثم ننزل بسلالم إلى كافيتريا صغيرة على الشاطئ. كان يبدو في مشيته أنه يحفظ الطريق إليها عن ظهر قلب، كنت أتبعه فحسب. لم يكن في نيتى أن أخالف أياً من طقوسه الرومانسية فى الإعتراف.
إختار صخرة ضخمة وجلس عليها وهو يشير إلى المساحة الفارغة بجانبه، قفزت لأملؤها فوراً! كان داخلى مزيج من الفضول والدهشة (كُنتُ أنتِظُرُ البَحرَ لكيْ يُطفئ الدرفيلُ كلَّ أسرَارِه)
أشعل سيجارة وإبتسم لى قائلاً "أهلاً بيك فى المنفى، أنا عمرى ما جيت هنا غير لوحدي. فاكر زمان في باص المدرسة؟! كنت إنت دايماً بتاخد المساحة اللي فاضلة جنبي فى الكرسي، لما كنت بتغيب كنت على طول بتخانق مع اللى قاعد جنبي أو بقعد لوحدى. محدش كان بيفهمني، كانوا بيخافوا وخلاص. عبر الزمن وبحكم العِشرة فضلت إنت بتكمل المساحة اللى ناقصة منى كإنسان، حر وأقدر أتعامل على راحتى. فهمت ليه بقي إختارتك إنت بالذات؟!"  فضْلت أنا الصمت حينها فلم أجد إجابة، كما أنه لم يكن ينتظرها..